نحو نظرة إيجابية لدور الجمعيات الخيرية

الأستاذ ناجي وهب الفرج

تحرص المجتمعات البناءة المثمرة والفاعلة على اتباع ونهج كل ما يوصلها إلى تحقيق ما يضمن ويؤمن لها الحياة الكريمة.
وتسعى هذه المجتمعات البناءة للوصول إلى هذا الهدف عبر تأسيس نظام مؤسسي يضمن ويحقق هذا الهدف، ولم تكن مجتمعاتنا ببعيدة عن هذا النظام المؤسسي، وخير شاهد على ذلك ما تم بذله وقام به الرواد الأوائل من الآباء والأجداد، وحرصهم آن ذاك في أن تكون جهودهم وأعمالهم الخيرة لها صفة الديمومة والاستمرارية، وأن لا تقف لمجرد غياب أصحابها ومؤسسيها لعجز أو وفاة أو انشغال؛ مسترشدين في عملهم بقول الباري جل وعلا: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[التوبة: 60].

فوجود الجمعيات الخيرية في واقعنا الاجتماعي، له آثار إيجابية لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها أو الحد من نشاطها لكون ما سوف يترتب عليه غياب مثل هذه الجهات الخدمية ويتركه من نتائج وآثار سلبية على المعوزين من الناس سواء كانوا فقراء أو أيتام، لذلك حرصت الدولة - أيدها الله - في تفعيل وتشجيع وتنظيم ودعم هذا القطاع غير الربحي ليكون له دورا مساندا ومكملا، وهذا بطبيعة الحال ما يتوافق ويتماشى مع ما نصت عليه بنود المادة الثانية من نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أقره مجلس الوزراء رقم «61» وتاريخ 1437/2/18 ه الذي جاءت بنودها كما يلي:
1 - تنظيم العمل الأهلي وتطويره وحمايته.
2 - الإسهام في التنمية الوطنية.
3 - تعزيز مساهمة المواطن في إدارة المجتمع وتطويره.
4 - تفعيل ثقافة العمل التطوعي بين أفراد المجتمع.
5 - تحقيق التكافل الاجتماعي.

وقد حددت بنود المادة الرابعة من هذا النظام أيضا الطرق والوسائل التي تتبعها الجهات المعنية المشرفة على الجمعيات الخيرية في تدعيم دورها والنهوض به لكي تؤدي دورها المناط على أكمل وجه وأحسن صورة وهي كما يلي:
الوزارة هي السلطة المسؤولة عن شؤون الجمعيات والمؤسسات في حدود أحكام هذا النظام والأنظمة الأخرى ذات العلاقة، ولها أن تتخذ ما تراه لازما لتحقيق أهداف هذا النظام، وعلى وجه خاص ما يأتي:
1 - الترخيص للجمعيات والمؤسسات.
2 - تقديم الإعانات الحكومية للجمعيات.
3 - الإشراف على نشاطات الجمعيات والمؤسسات ومراقبتها إداريا وماليا، وتحدد اللائحة قواعد ذلك.
4 - العمل على تطوير الجمعيات والمؤسسات.
5 - تنظيم المؤتمرات والندوات في مجال العمل الأهلي أو المشاركة فيها، ودعم البحوث والدراسات الخاصة بذلك وتفعيلها.
6 - البت في اندماج الجمعيات والمؤسسات أيا كان نوعها.
7 - وضع القواعد اللازمة للتنسيق بين الجهات الرسمية والجمعيات والمؤسسات، داخل المملكة، وفقا لهذا النظام والأنظمة الأخرى.
8 - دعم ثقة المجتمع في الجمعيات والمؤسسات وتعزيزه.
9 - نشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع.
10 - وضع الخطط والأولويات للأنشطة والأعمال التي يحتاجها المجتمع، وتكوين قاعدة بيانات منها يسترشد بها أعضاء الجمعيات وأصحاب المؤسسات.

لذلك سعى العاملون من المتطوعين في هذه المنظومات إلى إيصال المساعدات لمستحقيها بمهنية عالية خاضعة لضوابط الشرع والأنظمة التي تضعها الجهات ذات العلاقة المختصة بعمل هذه الجهات الخيرية.
ولا يمكن إغفال حقيقة مفادها أن هؤلاء المتطوعين سواء كانوا من المتصدين كأعضاء منتخبين من الجمعية العمومية أو متطوعين من خارج هذه المنظومة في كون الجميع يشاركون في تقديم الخدمة للمستفيدين دون مردود مادي يتقاضوه، باذلين الكثير من الجهد والوقت على حساب أسرهم وصحتهم من أجل تحقيق خدمة لهذا المستفيد أو ذاك سعيا منهم لنيل الأجر والثواب من الله، وسائلين القبول منه سبحانه متبعين و مسترشدين بقول سيد ولد آدم النبي الأكرم محمد - صلى الله عليه وآله - حين قال: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم. مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
فهنا مسؤولية مشتركة لا بد من الجميع المشاركة فيها وتحملها وتنميتها، فهي مسؤولية يتحملها هؤلاء المتطوعون عن الباقين من أبناء المجتمع.

ولكي يكون هذا المتطوع أو المنتسب لهذا الصرح الخدمي فاعلا؛ عليه أن يتمتع بقدر عال من المسؤولية تجاه ما أوكل إليه وأسند إليه من أمانة، وأن يضع نصب عينيه بأنه يمارس دورا تكليفيا صرفا، وليس ليحتل مكانا تشريفيا، وأن يعمل بحرص على تصريف الأمانة ويوجهها الوجهة الصحيحة التي خصصت لها. وأن لا يضيق صدره ويتسع لأي نقد أو استفسار أو تصحيح من قبل المجتمع المحلي، وأن يكون ملما بأنظمة ولوائح العمل التي تضبط بالضرورة العلاقة السليمة والمطلوبة بين الجمعية والمستفيدين، وأن يكون في تماس مباشر ودائم مع مجتمعه يتحسس احتياجاتهم ومشاكلهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يعمل جاهدا في تعزيز ثقة الداعمين بمزيد من الشفافية خاصة فيما يتعلق بالشق المالي والأليات المتبعة في موارد صرفه.

وهنا لا بد من التأكيد على المسؤولية التي ينبغي أن يقوم بها أبناء المجتمع تجاه من يعمل في هذه الصروح الخدمية بالمبادرة بالتشجيع لهؤلاء المتطوعين وحثهم وتسديدهم إن لزم الأمر، وتلمس العذر لهم لتقصير غير مخل حدث هنا أو هناك، والبعد عن سوء الظن والمبالغة وتضخيم الخلل أو التقصير غير المقصود الذي بذر منهم، لكي لا يؤدي ذلك إلى إحجام من يعمل على التراجع وعدم المواصلة، ومؤدى ذلك في نهاية المطاف إلى قطع سبل المعروف وتعطيلها، كذلك من الأهمية بمكان أن يتحلى أبناء المجتمع بالمعرفة والدراية والإلمام بالأنظمة والقوانين التي يخضع لها العمل في مثل هذه الصروح الخدمية وتفهم ذلك، وأن لا يكون هنالك ردود فعل سلبية ومعطلة من قبل بعض الذين يسعون لإنجاز فكرة أو عمل خيري لمجرد أنها لم تقبل أو تستكمل لضعف أو عدم إلمام المتقدم لهذا العمل بالأنظمة و التعليمات الواردة من الجهات المشرفة والمنظمة لعمل هذه الجهات الخدمية.

فلنعمل معا سواء كنا متطوعين أو مستفيدين أو داعمين أو أبناء مجتمع لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها هذه الصروح الخدمية ونسعى جاهدين لمراعاة الله في قولنا وعملنا.
قال عز من قائل: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران 104]
 
الهوامش:
1 - القرآن الكريم.
2 - نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
3 - صحيح البخاري.
نحو نظرة إيجابية لدور الجمعيات الخيرية
آراء ومقالات