معوقات العمل الخيري التطوعي و المسؤولية المجتمعية

الأستاذ ناجي وهب الفرج

 قال  عز من قائل : ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [ التوبة 105 ]

تضمُ مجتماعاتنا في هذا الوطن الغالي كفاءاتٍ ذاتَ طاقاتٍ كامنةٍ و خلاقةٍ تكتنزُ من الإبداعِ و الإقدامِ و الاستعدادِ  على الانخراطِ في كافةِ المساهماتِ  والأعمالِ التطوعيةِ ؛ مما يساعدُ  في إثراءِ هذهِ المبادراتِ التي تصبُ في نهايةِ المطافِ إلى دعمِ هذهِ المشاركاتِ و تزويدها بالعنصرِ البشري الذي تحتاجهُ لاداءِ هذهِ الانشطةِ المهمةِ و الملحةِ لاكتمالِ خدمةٍ هنا أو هناكَ يتلقاها المحتاج أو المستفيد. 

لكنَ هنالكَ بعضُ المعوقاتِ التي تكون حائلاً دُونَ الوصولِ إلى المستوى المرادُ تحقيقهُ و الغايةُ المنشودةُ من الخدمةِ ؛ والتي يعود سببه الرئيس في وجودِ ضعفٍ كبيرٍ و محدودية  في المعلوماتِ المتاحةِ لشريحةٍ لا يُستهان بها من الناسِ ،  و محدداتٍ  لا يتفهمها الكثيرُ منهم فيما يتعلقُ بآليةِ العملِ و طبيعتهِ داخلَ هذهِ المنشآت الخدمية و التي  تفرضها القوانينُ و التعليماتُ التي تردُ إليها من قبلِ الجهاتِ المشرفةِ على مثلِ هذهِ الكياناتِ الخدميةِ كالجمعياتِ الخيريةِ و غيرها  ، والتي تضمن لها هذه التشريعات بالضرورة  في أن  تكون ضمن إطار محدد وهدف يمكن تحقيقه وواضح يتماشى مع الغاية التي وجدت وأنشئت من أجلها هذه الكيانات التى تعنى بتقديم الخدمات للمعُّوزين من الناس  ، مما يترتب عليه عدم وضوح الصورة للبعض مؤديًا أن يكون هنالكَ مواجهةٍ مباشرةٍ معهم وسوءِ فهمٍ لديهم تجاه هذه الجهات الخدمية ، مما سيؤول إلى حجب أو تعطيل خدمة ستنفذ في هذا الموقع أو ذاك  . وعلى نفس هذا السياق؛ أن البعضَ يأتي لمحاسبةِ هذهِ الجهةِ الخدميةِ على خدمةٍ يتطلبها أو يعتقد أنها غير موجودة و عندهُ لبس و غياب للمعلومةِ عنها  ، ويتضحُ لهُ فيما بعد أنها موجودةٌ و مفعلةٌ و يعملُ بها .  

ورد عن رسولِ الله  صلى الله عليه و آله قولهُ: (إحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير)

وعن أميرِ المؤمنين - سلام الله عليه - قوله : (لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا). 

وعن الامامِ الصادق - سلام الله عليه - قوله: (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه).

ومما تؤكدهُ هذهِ المرويات الشريفة إن غالبية  الناس في تقييمهم وتصنيفهم  للأشخاص، يعتمدون على قول فلان أو علان ، لذا  نجد فيما روي عن امير المؤمنين سلام الله عليه قوله  : ( أما إنه ليس بين الباطل والحق إلا أربع أصابع، وجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: الباطل أن تقول: سمعت، والحق أن تقول: رأيت).

يبين قوله سلام الله عليه خطورة و مؤدى القيل و القال وما يتبعهُ ذلك من الحقدِ والعداوةِ وتفريق صفوف المجتمع  و تشتيتهِ ، وهذا ما أشارت له الآية الكريمة في قوله جل وعلا : 
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ الأنفال 46 ]

وما ورد  عن النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله أنه قال ؛  (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) . 

والذي يزيد الامر سوءًا  وغرابةً أن هذهِ الأقاويل، أو بعض هذه  التهم منقولة من شخص تحدث  في  مجلس ، ولا يعلم من مفتعلها صدقه من كذبه؛ فلنجعل  من قوله جل وعلا  نصب أعيننا عند تناولنا لمثل هذه الأمور ،حيث قال عز من قائل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ . [ الحجرات 6 ]

وهذا اللبس يؤدي في كثير من الاحيان إلى عدم تفهم موقف ومبررات هذه الجهة الخدمية و امتناعها أو رفض  هذه مشاركة في نشاط تطوعي تم طرحهُ  من ذلك الطرف أو ذاك  من أبناء المجتمع ، مما يجعل من هذا المتقدم للعمل التطوعي صاحب المقترح  من قبله سلبيًا  مما يجعله يرتب  عليه موقفًا تصاعديًا  تجاه كل ما يخص هذه الجهة الخدمية و يشنَّع على هذه الجهةِ في كلِ  نادٍ ومحفلٍ   . 

  ولتلافي العوق في استمرارية المساهمة في الانشطة التي تتطلب متطوعين فإنه  على أبناء المجتمع تلمس المجالات التي يُسمح فيها بالنشاط و التطوع وهي كثيرة و متنوعة و متاحة و تدخل ضمن ما هو مقر  و مسموح به ؛  حتى يمكن الاستفادة و تحقيق الغرض المطلوب المراد الوصول إليه ، و بالمقابل ينبغي  لهذه الجهات الخدمية تفعيل الماكينة الاعلامية بتوضيح وبيان  هذه التوجيهات التي تتبعها بشكل كبير و مضاعف ووافي ؛ لجلب هذه الطاقات البشرية  التي  تحتاجها لتنفيذ هذه الانشطة  . 

و لبناء أجواء إيجابية و حالة صحية معززة و مثمرة و منتجة   لأبناء المجتمع ان يكون توجهم و دورهم دور العطوف و المتفهم الذي يلتمس العذر لمن يعمل في هذه المنشآت الخدمية  لاعتبارات مهمة في كون من يعمل في هذا الجانب الخدمي لا يتقاضى أجرًا على عمله هذا شيء ، وشيء آخر لما  ياخذه هذا العمل من وقت و جهد و مسؤولية يتحملها على حساب نفسه و أسرته و صحته. 

نقول هنيئًا لأصحاب القلوب الدافئة الذين يكتنفون حب الخير و  الصلاح، وهم حين يترددون على هذا  المرافق الخدمية كزائرين أو متبرعين أو  متطوعين تراهم خجلين لما تملكهم  من احساسٍ  بتقصيرٍ  لعدمِ مشاركتهم  مع من يعمل في هذا المرفق الخدمي ، بدل أن ينصبوا أنفسهم بدور المحاسب الصرف و مجتر  الزلات و التبعات على هؤلاء العاملين  بدون وعي و إلمام، فيطرحون المشاكل مجردةً  دون تقديم الحلول الناجعة لهذه الاشكالات. 

دور هَذِهِ  الجهات الخدمية  و ما تقدمهُ هو ؛دور توفير الحد الذي يستغني عنه طالب الخدمة عن سؤال الناس ، و ليس دورها دور الذي يعطي فوق الحاجة و مراعاة الأولى فالأولى من حالات تعرض ؛حسب معايير ثابتة و محددة وموضوعية تطبق على طالبي المعونة . 

و في مثلِ هَذِهِ الجهاتِ الخدميةِ لا يكون لقرار فرد منها مقبولية و نفاذ ؛ إلا  بموافقة مجلس إدارة هَذِهِ الجهةِ الخدميةِ هذا من جانبٍ ، و خضوع هذه الإدارة لأنظمة و تعليمات تسنُّها و تنظمها هذه الجهات المشرفة عليها من جانبٍ آخر . 

فليكن الدور الذي يمارسه الواعي و الفاهم من أبناء المجتمع  في قيامه بنشر ثقافة التسامح و المساند و الداعم والموجه بين أبناء المجتمع  مع هؤلاء  العاملين في هذه الجهات الخدمية ،  وتعزيز روح الايجابية بين الجميع ؛ لكون النفع و الفائدة ستعم و يستفيد منها الجميع . 

قال تعالى : 
﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾ [ يس 58 ]
معوقات العمل الخيري التطوعي و المسؤولية المجتمعية
آراء ومقالات