بقلم الأستاذ/ناجي وهب الفرج
ها هو الغياب يخطّ على جبين الدهر سطرًا من الفقد، فيغدو المكان صدى أنينٍ يفتقد ركنًا من أركانه، ورجلًا كان نبعًا صافياً يفيض عطاءً ورحمة. لقد رحل الحاج حسن بن كاظم آل مطر (أبو علي)، لكنه خلّف في القلوب وديعةً من الوفاء، وفي الذاكرة صورةً من الصبر والكرم والإباء.
كان بين أهله كالظلِّ الوارف، وكالمورد العذب في يومٍ قاحل، يحنو على الصغار بلطفٍ يشبه نسمة الفجر، ويشدّ من عزم الكبار بقوةٍ راسخة كالجبل. فإذا فقده الناس، فقد فقدوا سلوى قلوبهم وبلسم جراحهم.
غير أنّ رحيله ليس نهاية، بل ابتداءٌ لصعودٍ سامٍ؛ حيث ترفرف روحه في مقامات النور، وتلقى وجه ربٍّ كريم، ورسولٍ عظيم، وأوصياء مطهّرين. هناك، حيث لا وجع ولا حزن، بل سرورٌ ورضوان، وخلودٌ تكتبه له صفحات الصبر والإحسان.
رَسَمْتُ عَلَيْكَ لِمَاحَ الصَّوَافِيْ
غَرَفْتُ بِنَهْمٍ فَطَالَ طَوَافِيْ
فَقَدْ كُنْتَ فِيْنَا رِوَاءٌ يَسِدُّ
بِمَا قَدْ كَفَانَا بِزَادٍ عَوَافِيْ
فَيَا مَنْ رَوَانَا بِخُلْقٍ يُدَاوِيْ
فَقَدْ كُنْتَ فِيْهِ بِرَكْزٍ وِقَافِيْ
فَهَذَا الزَّمَانُ مَنَانَا كُسُوْرًا
بَلَانَا نُغُوْصًا بِجَرْفٍ صِرَافِيْ
فَإِنْ كَانَ فِيْنَا هَوَانًا بِصَبْرٍ
فَطَالَ عَلَيْنَا بِعَوْزٍ غِرَافِيْ
هُوَ الْمَوْتُ زَادَ فِيْنَا صِرَافًا
وَحَلَّ بِوَادٍ جَرَاهُ زِحَافِيْ
فَيَا صَرْحُ قَدْ زَادَ فِيْكَ الْأَنِيْنُ
لِفَقْدٍ رَزاكَ بِحَمْلٍ إِضَافِيْ
فَهَذَا الْمَكَانُ يَضِجُّ بِحُنْوٍ
لِمَا قَدْ وَعَاهُ بِفَقْدٍ لَوَافِيْ
وَكَمْ كَانَ فِيْهِ يَجُوْلُ بِعَزْمٍ
إِلَىْ مَا مَضَاهُ سَبِيْلًا حِرَافِيْ
تَحُوْمُ عَلَيهِ الصِّغَارُ بِشَوْقٍ
لِمَا بَانَ مِنْهُ بِلُطْفٍ شِغَافِيْ
فَلَا بَانَ فِيْهِ عُزُوْفٌ بِسَقْمٍ
بِمَا قَدْ عَرَاهُ بِوَهْنٍ طِرَافِيْ
تَمَهَّلْ قَلِيْلًا فَمَا زلتَ فِيْنَا
قَدُوْمًا بِعَزْمِ قَوَامٍ شِفَافِيْ
حَبَاكَ الْوَصِيُّ بِنَزْلِ مَقَامٍ
هَنَاكَ سُرُوْرًا بِوَفْرٍ غِرَافِيْ
لِمَا كَانَ مِنْكَ بِصَبْرٍ جَزَاكَ
فَصِرْتَ عَلَيْهِ تَمَامًا مُوَافِيْ
وَتَلْقَىْ الْإِلَهَ رَفِيْعَ الْمَزَايَا
تِرفُّ كَطِيْرٍ بِجُنْحٍ خِفَافِيْ
وَتَغْدُوْ عَلَيْهِ صَبُوْحًا بِصَفْوٍ
تُلَاقِيْ الرَّسُوْلَ بِوَجْهٍ شِرَافِيْ
وَمَنْ غَيْرُ طَهَ يُجِيْزُ صِرَاطًا
بِيَوْمِ الْمَعَادِ وَخَوْضِ مَنَافِيْ