بقلم الأستاذ / عبدالله علي أبو رشيد
ينقل لي أحدهم قصته الحقيقية، كما عاشها بكل تفاصيلها المؤلمة. كان كلما ضاقت به الحياة، يذهب إلى بيت والديه، يجلس في الصالة أو المجلس، حتى يجد نفسه غالبًا في غرفتهما، يلتقط غترة والده ويلفها على رأسه، ويأخذ مقنعة والدته ليغطي بها جسده، وينام نومًا عميقًا… لكن نوم الغفلة، لا نوم الجسد. سنوات طويلة عاشها وهو يقتطع من راتب والده التقاعدي، المخصص لأخواته اليتيمات، حتى جاء اليوم الذي واجهه فيه والداه بصراحة لم ترحمه، وصدمته كلماتهما التي جعلته يدرك حجم خطأه.
البحث عن الطمأنينة
لطالما شعر هذا الرجل بأن الحياة تضيق عليه، وكأن الهواء قد شحّ من حوله.
كان يعود إلى بيت والديه، يبحث عن الطمأنينة التي لا يجدها إلا بين جدرانهما.
أمكث في الصالة، أو المجلس، وأحيانًا يستقر في غرفة والديه، تلك الغرفة التي ما زالت تفوح بالحياة رغم رحيل ساكنيها… رحمهم الله.
“كان يلتقط غترة والده ويلفها على رأسه، ويأخذ مقنعة والدته ليغطي بها جسده، ثم يغفو… لكنها ليست غفوة نوم، بل غفلة عن النفس والحق ومعنى البركة في حياته.”
غفلة أخذت منه الكثير
استيقظ يومًا ليجد حياته خاوية:
مال بلا بركة
أبناء بلا استقرار
وهم دائم يلاحقه
وفي لحظة ضعف، بدأ يقتطع من راتب والده التقاعدي، المخصص لأخواته اليتيمات. لم يكن محتاجًا، بل غافلًا… بدل أن يعطي، أخذ.
الصفعة التي أيقظته
مرت الأيام، حتى جاء اليوم الذي أغلق فيه كل باب أمامه.
عاد إلى غرفة والديه، لكنه لم يجد الراحة المعتادة.
رأى والده يشيح بوجهه عنه ويطرده، ورأى والدته تصفعه، وتقول له: هل لهذه الدرجة ينحدر بك الحال؟ تأخذ من رزق أخواتك اليتيمات؟ والله لن يتغير حالك، وسيأخذك المآل إلى أسوأ مما أنت فيه».
انهارت آماله، وطلب من أخواته السماح، وعاد إلى بيته منكسرًا.
أسئلة أثقلت قلبه
لماذا كان مختلفًا عن إخوانهِ الأثنين الذين قدموا الغالي والنفيس لأخواتهم؟
ولماذا أصر على بيع بيت العائلة، بينما اقترض أخوته المال ليعطوه حصته فقط ليحافظوا على بيت الوالدين؟
ومضت السنوات… كبر أبناؤه، وكبر أبناء أخوته.
تزوج الجميع، لكن أبناء أخوته وجدوا لهم مأوى في بيت الوالدين، أما أبناؤه فتقاذفتهم الإيجارات، واستنزفتهم الحياة، وعصفت بهم الأقدار.
العبرة التي لم يتعلمها إلا متأخرًا
حينها فقط أدرك؛ دعوة الوالدين لا تُنسى
خذلانهم لا يمر بلا ثمن
البركة لا تُقاس بالأرقام، بل تُمنح لمن أحسن
الغفلة عن الحق هي أول طريق الخسارة.
لم يحسن الترشيد، ولم يواجه ضغوط الحياة بقلب سليم، فدفع الثمن… سنوات من الحسرة والندم.هذه قصته اليوم، لعلّ من يقرأها يصحو قبل أن يوقظه الندم.