سعاد… منبع السعادة
بقلم الأستاذ / سعود آل سعيد
رحلت سعاد، ورحل ذلك القلب المرهف، وتلك الطباع الهادئة. رحلت، فرحلت معها مشاعرُ روحٍ مفعمةٍ بالحنان.
رحلت من كانت لها وقفات ومبادرات، يعلم بها كل من يعرفها أو خالطها؛ فلها في الخير سابقة، وبالسخاء إشادة، وبالكرم علامة لا تُحدّ، فقد شمل عطاؤها القريبَ والبعيدَ بلا استثناء. لتلك المرأة المعطاءة في أحلك المواقف وأصعب الأحداث.
• البيت والعائلة:
بعد رحيل والدتها أم علي (رحمها الله)، تولّت إدارة زمام الأمور في البيت وإدارة شؤونه، وأصبحت هي عموده وقطب الرحى في أي شأنٍ أسريٍّ كان. ولها تلك الشخصية المؤثرة «كاريزما» في محيط الإخوة والأخوات، وأمسى نعت «العمة» الشفرة التي يستأنس بها أولاد العائلة من صغارٍ وكبار؛ وذلك لحنانها الفيّاض ومكانتها الوجدانية في قلوب كافة أفراد الأسرة، فكانت هي العمة والأخت، بل والأم.
• المآتم:
يُقام في منزل العائلة مأتمان (مأتم رجالي، ومأتم نسائي)، وحيث كانت فقيدتنا قريبة من أهل البيت (عليهم السلام)، آلت على نفسها إلا أن يستمر مأتم النساء بعد رحيل الوالدة –كما أسلفنا– وتقوم على شؤونه، بل ويتضح اهتمامها الشديد حتى بالمأتم الرجالي. وكانت دائمًا تحرص على التواصل مع إخوتها من أجل أن تكون أوضاع المأتم وأموره من الناحية المادية على أفضل حال، ناهيك عن عطائها في سبيل تجهيز المأتمين بكل الأدوات والتجهيزات الضرورية.
وعلى الرغم من تفاقم مرضها واشتداد أعراضه في السنوات الأخيرة، إلا أنها لم تتوقف عن الاهتمام بالمأتمين، ولم يثنِها ذلك عن الوقوف بنفسها والإشراف على تجهيزهما، فكانت آخر وصاياها للأسرة:
«الله، الله بالمآتم، وأن كل ما أملكه تركته لهما».
• مربية فاضلة:
عملت فقيدتنا بتفانٍ وإخلاص لأكثر من ثلاثون عامًا منذ التحاقها بروضة جمعية العوامية. لها إسهامات جليلة وعظيمة، ونشير هنا إلى موقفٍ أثناء نقل الروضة إلى المبنى الجديد؛ فقد بذلت مجهودًا كبيرًا، وعملت لساعات طويلة وأيامٍ متواصلة من أجل إفراغ المبنى القديم ونقل أغراض الروضة إلى المبنى الجديد. كما كانت لها اليد الفضلى في مساعدة التحاق أطفال الأسر المتعففة بالروضة، إذ كانت تلك الأسر لا تستطيع دفع رسوم أطفالها.
كانت في الروضة نعمَ المربية الفاضلة؛ ربّت جيلًا بعد جيل مرّ عليها، وكرّست جل وقتها للعناية بتربية تلك الأجيال، فكانت لهم القدوة الحسنة والمثال الذي يُحتذى به في الخُلُق والسلوك القويم، ولم تكن تنادي أيًّا منهم إلا: «ولدي، بنتي». هكذا كانت منبع الحنان والسعادة لكل طفل وطفلة، سواء داخل الروضة أو مع والديهم.
• سعادة والمجتمع:
كانت لها مساعدات –لوجه الله– في الكثير من الحالات الاجتماعية؛ كمساعدة على زواج، أو تفريج ظرفٍ لشخص أو لأسرةٍ متعسّرة. فهذه المرأة الجليلة الفاضلة كرّست حياتها لخدمة الآخرين، ابتداءً من الأسرة، إلى محيط عملها، إلى المجتمع. فسعادة، كم من أسرةٍ أسعدتِ، وكم من فردٍ أسعدتِ، فكنتِ اسمًا على مسمّى؛ وكما أسعدتِ غيرك في الدنيا، أسعدكِ الله في الآخرة.
فرحمةُ الله على هذه المرأة التي كانت خادمةً، صابرةً، محتسبةً لله، ومخلصةً لوجهه سبحانه وتعالى.
فلروحها ولروح والديها الفاتحة.