بقلم الأستاذ / ناجي وهب الفرج
ليست قيمة الإنسان فيما يملك، ولا فيما يُقال عنه بعد الرحيل، بل فيما يتركه من أثرٍ هادئ، وفيما يزرعه من طمأنينةٍ لا تُرى، لكنها تُحَسّ في القلوب.
وهكذا كانت المربية الفاضلة سعاد بنت إبراهيم آل جوهر؛ حضورًا إنسانيًا لا يضجّ، وعطاءً صامتًا يعلّم دون أن يرفع صوته، ورسالةً عُمرت بالصدق قبل الكلمات.
ففي ميدان العمل، كانت تؤمن أن الوظيفة أمانة، وأن المسؤولية امتحان أخلاقي قبل أن تكون موقعًا إداريًا.
وخلال عملها مراقبةً إدارية في جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية، أدّت مهامها بروحٍ واعية، وبضميرٍ يقظ، ترى في كل إجراء خدمة، وفي كل قرار حقًّا يجب أن يُصان.
لم يكن الإتقان عندها شعارًا، بل عبادة صامتة، تُجسِّد معنى قوله ﷺ:
«إنَّ اللهَ يُحبُّ إذا عملَ أحدُكم عملًا أن يُتقِنَه».
وحين طرق المرض بابها، لم تستسلم للشكوى، بل فتحت باب الرضا.
واجهت الألم بيقينٍ ساكن، وتوكّلٍ صادق، ترى في البلاء طريقًا للرفعة، وفي الصبر قربًا من الله.
كانت تهمس بقلبها قبل لسانها:
﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
فتحوّل الوجع إلى نور، والضعف إلى قوةٍ خفيّة.
لم تكن علاقتها بالآخرين عابرة، بل كانت حاضرةً بالسؤال، دافئةً بالاهتمام، كأنها تحمل همّ القربى والناس جميعًا في آنٍ واحد.
تسأل، وتطمئن، وتشارك، وتخفّف… وكأن الوصل عندها أسلوب حياة، لا واجبًا اجتماعيًا.
كان حبّ أهل البيت عليهم السلام جزءًا من تكوينها الروحي، لا ادّعاء فيه ولا مظاهر.
تجلّى هذا الحب خُلُقًا، ورحمةً، وعدلًا في التعامل، ووفاءً لمنهجٍ علّم الإنسان كيف يكون إنسانًا.
في بيتها، كانت الأسرة معنى قبل أن تكون رابطة.
علاقة متينة مع إخوتها، واحترامٌ متبادل، وتراحمٌ صادق، جعل من الأسرة مساحة أمانٍ روحي ونفسي، تُدار بالمودّة لا بالمجاملات.
أما والداها، فكان البرّ بهما سلوكًا يوميًا، وخدمةً صامتة، تُجسّد أسمى معاني الإحسان.
لم تتحدّث عن البرّ، بل عاشته، فصار فعلًا نقيًا يشهد لها قبل أن يُروى عنها.
إن سعاد بنت إبراهيم آل جوهر لم تكن مجرد اسمٍ في سجلٍّ وظيفي، ولا ذكرى عابرة في حياة من عرفها، بل كانت أثرًا إنسانيًا حيًّا، ترك بصمته في القلوب قبل الأوراق، وفي الأرواح قبل العناوين.
رحمها الله برحمته الواسعة،
وجعل ما قدّمته نورًا في ميزان حسناتها،
ورفع درجتها مع الصابرين،
وألهم من أحبّها جميل الصبر وحسن العزاء.