دور الناخبين في تحسين الأداء المؤسسي في القطاع غير الربحي
إذا كنت مشتركاً بعضوية عادية أو داعمة في جمعية خيرية وملتزما بسداد رسوم العضوية المقررة، فأنت عضو جمعية عمومية ومن ضمن أعلى سلطة فيها، ولك حقوق وعليك واجبات، فدفع مبلغ الاشتراك ليس هو فقط ذلك الواجب الذي دفعته عن طيب خاطر، بل هذا المبلغ البسيط حملك واجب أكبر ومنحك حق هو من أعلى حقوق جهاز الجمعية الإداري.
متى تبدأ ممارسة أحد أهم حق من حقوقك؟
تبدأ قصة أول الحقوق - بل هو أول الواجبات على المشترك الناخب - مع بداية انتخاب المرشحين لأعضاء مجلس الإدارة، لأن عملية الانتخاب تعد من العمليات الحيوية التي تضمن نجاح واستدامة كيان الجمعية، وهي ركيزة أساسية لتحقيق أهداف الجمعية الخيرية وتوجيه استراتيجياتها بكفاءة وفعالية. لذلك، يجب أن تبدأ القصة بضمان اختيار الأفراد الأكفأ والأكثر توافقًا مع أهداف ورؤية ورسالة الجمعية.
العضوية: الوحدة الأساس لبناء مجلس الإدارة
إن المكون الأساس لنجاح أي مجلس إداري في منشأة ما هو العضو الفرد من مجلس إدارتها الذي يتعاضد وبقية الأعضاء لقيادة المنشأة، لذلك فإن لزاماً على أي مشترك له حق الانتخاب أن يحسن اختيار المرشح لهذه العضوية، وعليه أن يتحقق من عدة أمور يجب أن يمتلكها المرشح، بدءاً من الصفات الشخصية والنزاهة والشفافية ومروراً بالخبرات المهنية التي تساعده في مهمة تقلده لعضوية مجلس الإدارة.
كذلك النظر في تمرسه في العمل التطوعي، ومهارات القيادة، والإدارة، والتواصل. وقد تكون مهارات التفاوض من أهم المهارات التي ينبغي أن يتحلى بها عضو مجلس الإدارة، بالإضافة إلى امتلاكه قيم العدالة والمساواة والمسؤولية الاجتماعية والاحترام والتقدير للشركاء الداخليين والخارجيين وأصحاب العلاقة.
أصقل ممارسة حقك بحسن الانتخاب
انتخاب المرشح الأكفأ يتطلب تمحيصا يبدأ بغربلة المرشحين لخوض الانتخابات وفرز الكفاءات الأجدر لضمان الحصول على نخبة من الأعضاء تقوم بقيادة المنشأة بالشكل المرضي، بل الرجاء أن تفوق قيادتهم للمنشأة كل التوقعات.
خطوات ونصائح تساعدك لاختيار الأكفأ والأصلح للعضوية
1) السيرة الذاتية
السيرة الذاتية للمرشح قد تنبئ عن الخلفية المهنية والأكاديمية للمرشح، لا تتوقف أبداً بطلبها للاطلاع عليها. صحيح أن المستوى المهني والعلمي قد لا يعني شيئا كثيرا للعمل التطوعي، لكن هو بحد ذاته قيمة موجبة تحسب للمرشح.
2) التجارب والممارسات السابقة
عادة ما تنشأ في المجتمعات النشطة والمدنية الأعمال الخيرية أو التطوعية، فينبري لها ثلة من المتطوعين وأصحاب الحس العالي بالمسئولية التعاونية والاجتماعية، فكلما كان المرشح من هذه الفئة كان من ذوي أكثر الفرص للاختيار.
3) الاطلاع على الأنظمة
هناك قلة من الناس التي لا تتوقف بتواصلها مع المنشآت الخيرية أو النشاطات التطوعية حتى لو لم يكن مشتركا في نشاطاتها، فكيف بمن خاض غمار الأنشطة وتعرف على أنظمتها ومارس تطبيقاتها بشكل أو باخر، وكيف بمن له الإلمام بالأنظمة واللوائح الوزارية والقرارات ولائحة الجمعية الأساسية.
4) النزاهة والخلق
من أشد الأمور المهمة، سمعة المرشح فيما يتعلق بالنزاهة والأخلاق، وقد تكشف تعاملات وتجارب سابقة عن مواقف وسلوك المرشح الأخلاقي، لا تنخدع كثيرا بالسماع المضلل، قف متحققا عن تلك المواقف والحالات إن لزم الأمر.
5) الاتصال والتفاوض
إن استطعت أن تقابل المرشح وتتحدث معه عن استعداده للعمل التطوعي وفحص مستوى التعبير عن أفكاره ومن أي نوع هو، أتحليلي هو أم عاطفي، أو اجتماعي هو أم عدواني، أم غير ذلك. إن تحديد أسلوب التواصل الذي يمارسه المرشح يكشف نوع شخصيته، ومن المفيد أن يتمتع المرشح بمزيج من الصفات الموجودة في أنواع الشخصيات المختلفة.
أنواع الشخصيات الأكثر ملائمة لعضوية المجلس
تبدو الشخصيات التالية أكثر ملاءمة ليتميز بها عضو مجلس الإدارة نظرًا لاحتياجات العمل التطوعي في القطاع غير الربحي. وهي كالتالي:
1. الشخصية الواثقة:
الثقة بالنفس والقدرة على التعبير بوضوح والاحترام المتبادل من الأمور المهمة لاتخاذ قرارات مدروسة والدفاع عن رؤية المنظمة وأهدافها.
2. الشخصية المتعاطفة:
الحساسية لمشاعر الآخرين والقادرة على الاستماع الفعال هي صفات ضرورية في العمل مع فرق متنوعة لفهم احتياجات المستفيدين، وبناء علاقات جيدة مع الشركاء والداعمين.
3. الشخصية التحليلية:
الاعتماد على الحقائق والأرقام والتفكير المنطقي مهم في اتخاذ قرارات مالية وإدارية استراتيجية والتخطيط للمستقبل.
4. الشخصية الاجتماعية:
الود والانفتاح وتكوين العلاقات يساعد في بناء شبكة من الداعمين، بالإضافة لاتصاف الشخصية الاجتماعية بالتعاون مع الآخرين داخل وخارج الجمعية الخيرية.
5. الشخصية المتفائلة:
نشر الأمل والتفاؤل يمكن أن يكون محفزًا للفريق ويعزز من روح العمل الإيجابي، خاصة في الأوقات الصعبة.
6. الشخصية الهادئة:
التمتع بالهدوء والتوازن يمكن أن يساعد في التعامل مع الأزمات بفعالية واتخاذ قرارات مدروسة بعناية.
إن الشخصية الأنفع للاختيار والانتخاب لعضوية مجلس الإدارة هي التي تجمع الأكثر من الصفات الجيدة من هذه الشخصيات المختلفة، مما يُمكن العضو المستقبلي من مواجهة التحديات بفعالية واقتناص الفرص المتاحة التي تخدم المنشأة، وبالتالي يعزز من قدرتها على تحقيق أهدافها ورسالتها.
تاريخ المرشح قد يساعد على انتخابه
1. التفكير الاستراتيجي: تعرف على رؤية المرشح للمستقبل وكيف يخطط لتحقيق أهداف الجمعية، اسأل عن أمثلة على قرارات استراتيجية اتخذها في الماضي إن وجدت، فهذا ما يطلق عليه التفكير الاستراتيجي أو الخطة بعيدة المدى.
2. الالمام بالتحديات والفرص: إذا كان المرشح لديه معرفة واسعة بالقضايا والاحتياجات التي تهم المجتمع ولديه الخبرة اللازمة لإدارة التحديات والفرص التي قد تواجه الجمعية في تلبية تلك القضايا والحاجات والمتطلبات فهذا يعني أن لديه الاستعداد والحلول والعلاج لكل تحدٍ واقتناص كل فرصة.
3. المرونة والتكيف: قد يتطلب الأمر وجود مرونة للتعامل مع التغيرات أو التحديات الخفية لتغيير الخطة والبحث عن حلول بديلة. لذلك من الجيد التعرف على أمثلة فائتة -إذا توفرت- في تعامل المرشح مع التغيرات أو التحديات لتغيير الخطط والتكيف مع الظروف الجديدة.
4. القدرة على العمل الجماعي: تحقق من قدرة المرشح على العمل بروح الفريق والتعاون مع الشركاء الداخليين خاصة. ابحث عن تجارب سابقة تبرز مهاراته في العمل الجماعي، وعدم إعاقته للأفكار التطويرية والتغير في القرارات والأنظمة المستحدثة.
5. إدارة الوقت: اسأل المرشح عن كيفية تنظيم وقته وتخصيص الوقت للالتزامات المختلفة للتأكد من قدرته على تخصيص وقت كافٍ لأعمال المجلس.
6. تحمل المسئولية: قد يعتقد المرشح أن توليه منصب ما بعضوية المجلس، ما هو إلا تشريف لشخصيته، وهذا التفكير سيكون عائقا في تفاعل العضو مع المهمات الموكلة إليه، لذلك تأكد من تحمله المسئولية بالمهام الموكلة إلية كما لو كانت مهام وظيفيه يتلقى مقابلها راتبا شهرياً.
7. اتخاذ القرارات: في معظم أشكال اتخاذ القرارات، قد يبدو هاجس تحمل المسئولية في حال الخطأ واردا ومقلقا، لذلك تعرف على كيفية اتخاذ المرشح للقرارات وأمثلة على قرارات سابقة له، مع قدرته على تحمل مسؤولية النتائج.
8. القيادة: وتدبير الأمور، هي من سمات القائد الناجح، جيد لو تمتع المرشح على توجيه وإلهام الآخرين، وقد تتوفر أمثلة على مواقف قيادية شغلها في الماضي.
9. الخلفية المهنية: خذ في الاعتبار الخبرة المهنية للمرشح، وخاصة الخبرة ذات الصلة بمهمة الجمعية الخيرية. ابحث عن الخبرة في مجالات مثل التمويل، أو القانون، أو التسويق، أو جمع التبرعات، أو إدارة البرامج، أو إدارة التطوع، وما إلى ذلك.
10. الخبرة غير الربحية: تقييم مشاركته السابقة مع المنظمات غير الربحية، إما كعضو مجلس إدارة، أو متطوع، أو موظف، أو حتى مراقب منصف.
خطوات تأكيدية وداعمة لقرار انتخاب مرشح ما
1. إشراك أصحاب العلاقة: قم بسؤال أصحاب العلاقة الرئيسيين في قرار انتخاب المرشح، مثل أعضاء مجلس الإدارة الحاليين، وكبار الموظفين، وربما الجهات المانحة أو أعضاء الجمعية العمومية.
2. خلوة مجلس الإدارة: فكر في عقد خلوة لمجلس الإدارة أو اجتماع خاص لمناقشة المرشحين وتقييمهم بشكل جماعي.
3. المداولة: إن استطعت التضامن لعقد جلسة مداولات مع نخبة من أعضاء الجمعية العمومية، ولا مانع أن تكون في مرافق المنشأة، لنقاش نقاط القوة والضعف لدى كل مرشح.
4. يوم التصويت: لا تغير قناعاتك بمجرد رؤية المرشح وجها لوجه، إذ أن لغة الجسد قد تؤثر على القرار سلبا أو إيجابا.
تجنب انتخاب هؤلاء المرشحين
سواءً كانوا مرشحين -لأول مرة- أم من ذوي الخبرة المتمرسين، لأن تجنب انتخاب الجديد منهم أو إعادة انتخاب القديم يساعد في ضمان اختيار أعضاء مجلس إدارة ملتزمين، ومهنيين، وذوي مهارات عالية، مما يعزز من وجود مجلس متآلف وذي فعالية وإنتاجية لتحقيق أهداف الجمعية الخيرية -بشكل أفضل-، وهم:
1. المسيطر التقليدي
1) يستخدم سلطته للتحكم بالموظفين والعاملين، ويعمل على تحريضهم ضد التغييرات أو القيادة الجديدة ربما خوفًا من فقدان النفوذ والاحترام من قبل الآخرين، أو فقدان بعض الامتيازات المكتسبة أو فقدان السلطة التي استمتع بها لفترة طويلة، أو ربما يخشى الفشل في التكيف مع التحولات الجديدة ما قد يجعله يشعر بعدم الكفاءة.
2) يتمسك بالوضع الراهن ويظهر مقاومة قوية لأي تغيير في الأنظمة أو العمليات الحالية.
3) يفتقر إلى المرونة ويرفض تبني الأفكار الجديدة أو الابتكارات الحديثة، ويصر على الحفاظ على الطرق التقليدية.
2. المنعزل وغير المنفتح
1) المنغلق بعيدا عن الأفكار الجديدة أو الاقتراحات من الأعضاء الآخرين أو الموظفين.
2) عديم القدرة على التكيف مع التغييرات الجديدة والتطورات في البيئة العملية.
3. ضعيف القيادة التغييرية
1) الافتقار إلى رؤية واضحة للمستقبل وعدم امتلاك خطة للتطوير والتحسين.
2) اقتياد الآخرين بعدم قبول التغيير وعدم العمل على تحقيق الأهداف الجديدة.
4. السلبي في التعامل مع التحديات
1) التركيز على المشاكل بدلاً من الحلول والتركيز بشكل مفرط على المشاكل والعقبات بدلاً من البحث عن الحلول.
2) التردد في اتخاذ القرارات الضرورية لتحقيق التغيير الإيجابي.
5. عديم الدعم للتطوير المهني
1) رفض التدريب والتطوير لنفسه أو للموظفين الآخرين.
2) عدم الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة أو الأنظمة الجديدة لتحسين الأداء.
6. ضعيف المهارات الإدارية والقيادية
1) عدم القدرة على إدارة التغيير والافتقار إلى المهارات الإدارية والقيادية اللازمة لإدارة عملية التغيير بنجاح.
2) الافتقار للقدرة على التواصل الفعّال في توصيل أهمية التغيير وفوائده للأعضاء الآخرين.
7. المنفرد بالقرارات
1) عدم التعاون واتخاذ القرارات بشكل فردي دون استشارة الآخرين أو العمل بروح الفريق.
2) المتسلط الذي يفرض قراراته ورؤيته دون مراعاة آراء وتصورات الأعضاء الآخرين.
8. السلبي تجاه النقد البناء
1) رفض النقد البناء وعدم الاستفادة منه لتحسين الأداء.
2) الافتقار إلى الرغبة في تعلم مهارات جديدة أو تطوير قدراته لمواكبة التغييرات.
في الختام
يلعب الناخبون دوراً حاسمًا في تعزيز الأداء المؤسسي للقطاع غير الربحي من خلال اختيار أعضاء مجلس الإدارة الأكفاء والأكثر بإحساس المسئولية. إن حسن الانتخاب لا يقتصر على الالتزام بالواجبات المالية -المتمثلة بالاشتراك- فقط، بل يتطلب دراسة متأنية للمرشحين ومراجعة خلفياتهم المهنية والشخصية. من خلال اتباع خطوات مدروسة ومؤكدة، يمكن للناخبين ضمان انتخاب قيادة قادرة على تحقيق رؤية ورسالة الجمعية بكفاءة وفعالية. لذلك، يجب على كل عضو في الجمعية العمومية أن يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه وأن يمارس حقه الانتخابي بوعي وحكمة لضمان استدامة ونجاح الجمعيات الخيرية في تحقيق أهدافها النبيلة وخدمة المجتمع بشكل أفضل.
أتمنى أن قد وفقت من خلال تأليف هذا التقييم الذي أظنه منهجيا لتقييم المرشحين بناءً على هذه المعايير الشاملة. والمعذرة للتقصير والخطأ.
شفيق محمد المغاسله
عضو مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية
رئيس لجنة البرامج والأنشطة
22 صفر 1446هـ
26 أغسطس 2024