للكاتب الأستاذ:حبيب أحمد الأسود.
يعرف السلوك في اللغة بأنه مصدر مجرد من الزمن يدل على الفعل المشتق منه، وهو سلك ويعني المشي في مسار محدد، وفي النشاط البشري السلوك هو الفعل الذي يقوم به الانسان أو يصدر منه نتيجة لتفاعله مع بيئته، وقد يكون هذا السلوك أو الفعل عن وعي أو عن غير وعي أو يكون طوعياً أو غير طوعي وغالبا ما يأتي استجابة من الشخص للمؤثرات والمنبهات المرتبطة ببيئته.
ولكون السلوك نشاطاً بشرياً فإنه دلالة على بعض الأفعال التي اعتاد عليها مجتمع ما، وقد يكون لهذا السلوك أو النشاط علاقة ببعض التوجيهات والتعليمات الدينية التي يؤمن بها المجتمع أو قد يكون مجرد عادات موروثة لا علاقة لها بالتدين، وفي كلا الحالتين فإن إمكانية تعديله أو تهذيبه واردة.
لنأخذ مثلا بعض سلوكيات الأفراد في مجالس العزاء في مجتمعنا الصغير ( البلدة التي نعيش فيها ) نجد أن أهل المتوفى أو المتوفاة من الرجال يقيمون مجلس عزاء لمدة ثلاثة أيام يستقبلون فيها المعزين وهذه سنة حسنة لأن تعزية الأهل والأصدقاء وأفراد المجتمع لأصحاب المصاب لها أثر بالغ في تخفيف المصاب؛ وتشعر أهل العزاء بمواساة الآخرين مما يعزز اللحمة الاجتماعية، وعادة في هذه المجالس يحضر خطيب يقوم بإلقاء محاضرة وعظية يتطرق فيها إلى ما يهون على أهل المصاب مصابهم ويختمها بذكرى واقعة الطف وما جرى للحسين وأهل بيته وأصحابه في كربلاء من المآسي لتكون عزاء لأهل المصاب، وغالباً ما يأخذ أهل المصاب جانباً من المجلس يصطفون فيه لاستقبال المعزين.
ولنا في هذه الحالة الملاحظات التالية:
١ / ما أن يفرغ الخطيب حتى يتسارع أغلب الحضور للاصطفاف في طابور طويل للسلام على أصحاب العزاء وكأنهم في سباق من يصل أولاً، فلماذا هذا التسابق أيها المعزِّي؟ أنت جئت لمجلس العزاء بمحض إرادتك ولم يطلب أحد منك الحضور، فلا تشعر أهل العزاء بأنك أتيت فقط لتسجيل حضور وليس للمواساة الصادقة؛ إذ لا يمكن أن يكون كل المتسارعين مضطرين لذلك، فلماذا هذه العجلة؟.
٢ / يصافح المعزّون يدوياً أصحاب العزاء فرداً فرداً وبعضهم لا يكتفي بالمصافحة اليدوية بل يتبعها بقبلات غير آبه بأننا في زمن الأمراض المعدية، مثل: كورونا، إنفلونزا وغيرهما، ولم يحسب أية حساب بأنه ربما نقل العدوى لمن يصافحهم إذا كان مريضاً أو ربما انتقلت له العدوى من الآخرين، لذا وجب الإقلاع عن فعل ذلك خاصة في التجمعات البشرية، ويكفي للمعزِّي أن يرفع يده.
٣ / إذا كنت أيها المعزًّي مصاب بمرض معدٍ الزم بيتك وقدِّم واجب العزاء عن طريق إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.
٤ / يتبادل بعض المعزون أطراف الحديث مع من يعزونهم وتستمر المحادثات مدة غير قصيرة مما يتسبب في تعطيل الطابور وتحميل المشقة لمن لا يستطيع الوقوف طويلاً.
٥/ بعض المعزين لديه صعوبة في المشي يستخدم عكازاً ومع ذلك يصر على الوقوف بالطابور مع ما في ذلك من مشقة عليه لا داع لها، فيكفي أن يقف عند باب المجلس ويرفع يده ويقول عظم الله لكم الأجر.
٦ / يتكرر تواجد نفس الأشخاص طيلة أيام العزاء الثلاثة ويكررون نفس الفعل الذي فعلوه في اليوم السابق من الاصطفاف في الطابور والمصافحة، لا أعتقد بوجود تفسير لقيامهم بذلك إلا (إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلى آثَارِهِم مُّقْتَدُون)، نعم حضرتم مجلس العزاء واستمعتم للقراءة الحسينية وقرأتم ما تيسر من القرآن، جزاكم الله خيرا وشكر مسعاكم، مَن قصد من تكرار الحضور هو للاستماع للقراءة الحسينية لا بأس بذلك، ولكن لا داع لتكرار المصافحة.
٧ / بعض المعزين يأتون لمجالس العزاء بملابس لا تليق بالمناسبة ولا يصح ارتداؤها في التجمعات البشرية، ندرك أن الإمكانيات المادية متفاوتة بين الناس ولكن يمكن للفرد أن يخصص ملابس للمناسبات العامة.
٨ / تشم في بعض المعزين ريحاً غير طيبة وتشم أحيانا في بعضهم رائحة الأكل الذي انتهى منه للتو، لماذا لا نهتم بالنظافة الشخصية وهي غير مكلفة، وقد ورد في الأثر أن النظافة من الإيمان.
٩ / منظر الأحذية والنعال المتناثرة أمام باب مجلس العزاء منظر غير حضاري، نحن نقيم مجالس العزاء في الحسينيات (جزى الله من شيدها خيراً) وتوجد في هذه الحسينيات أماكن مخصصة لوضع الأحذية والنعال يجب الالتزام بها وإذا كانت غير كافية، يمكن زيادة طاقتها الاستيعابية.
١٠ / أيام العزاء في مجالس الرجال تستمر ثلاثة أيام أما مجالس النساء فيستمر العزاء فيها لخمسة أيام أو أكثر، لماذا هذا التفاوت ولماذا لا تكون مجالس النساء مساوية لمجالس الرجال وفي ذلك تقليل التعب والكلفة المادية على أصحاب العزاء.
١١ / ليس هناك موجب للجلوس لاستقبال العزاء بعد انتهاء مراسم العزاء التي امتدت ثلاثة ايام بعد الدفن؛ لأن في ذلك تكلفة على أصحاب المصاب، هناك قول مأثور: العزاء بعد ثلاثة أيام يعد شماتة.
١٢ / يجب اظهار الاحترام لكبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة وعدم مزاحمتهم، بل يجب افساح المجال لهم.
١٣ / بعض المعزين لا يرغب في المصافحة اليدوية لدواعي صحية أو أنه يجد صعوبة في ذلك نتيجة وضعه الصحي فيكتفي برفع يده أمام كل فرد من أهل المصاب ويقول عظم الله أجركم إلا أن بعضاً من أصحاب العزاء يحرجونه عندما يبادرون بمد أيديهم للمصافحة.
١٤ / يمكن للمعزي أن يكتفي بحضور الصلاة على المتوفى أو المتوفاة، أو المشاركة في التشييع والدفن أو حضور مجلس العزاء لمرة واحدة كما يكفي أن يقدم التعزية بالاتصال التليفوني أو إرسال رسالة تعزية نصية عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
١٥ / تسمع من بعض الحضور في مجالس العزاء قهقهات وضحك، وكأنهم ليسوا في مجلس عزاء، هذا سلوك غير مرحب به خاصة من أصحاب المصاب، أنتم أتيتم لتقديم واجب العزاء والمواساة وليس لإظهار الشماتة.
١٦ / يمكن وضع سجل للمعزين لمن يرغب ان يسجل أسمه فيه عوضا عن المصافحة.
هذه بعض الملاحظات على سلوك البعض في مجالس العزاء وقد عايشتها بنفسي وعايشها الكثير من أفراد المجتمع وأعتقد انها بحاجة إلى إعادة نظر؛ لتظهر مجالسنا للعزاء بمظهر يليق بالمناسبة ويعكس صورة حضارية لمجتمعنا.